ذكر عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد
عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله قال: فكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقاتل عبدة الأوثان وهم قوم لا يوحدون الله فمن قال منهم: لا إله
إلا الله كان ذلك دليلاً على إسلامه والحاصل أنه يحكم بإسلامه إذا أقر بخلاف ما كان
معلوماً من اعتقاده لأنه لا طريق إلى الوقوف على حقيقة الاعتقاد لنا فنستدل بما
نسمع من إقراره على اعتقاده فإذا أقر بخلاف ما هو معلوم من اعتقاده استدللنا به على
أنه بدل اعتقاده وعبدة الأوثان كانوا يقرون بالله تعالى قال الله تعلى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ
خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} الزخرف: 78.
ولكن كانوا لا يقرون بالوحدانية قال الله تعلى {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} الصافات: 35 وقال فيما أخبر
عنهم {أَجَعَلَ
الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} فمن قال
منهم: لا إله إلا الله فقد أقر بما هو مخالف لاعتقاده فلهذا جعل ذلك دليل إيمانه
فقال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله " وعلى هذا
المانوية وكل من يدعي إلا هين إذا قال واحد منهم: لا إله إلا الله فذلك دليل
إسلامه فإما اليهود والنصارى فهم يقولون: لا إله إلا الله فلا تكون هذه الكلمة
دليل إسلامهم وهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يقرون برسالته فكان
دليل الإسلام في حقهم الإقرار بأن محمداً رسول الله على ما روي عنه أنه دخل على
جاره اليهودي يعوده فقال: اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فنظر الرجل إلى
أبيه فقال له: أجب أبا القاسم فشهد بذلك ومات فقال صلى الله عليه وسلم: "
الحمد لله الذي أعتق بي نسمة من النار " ثم قال لأصحابه: " لو أخاكم "
قال: فأما اليوم ببلاد العراق فإنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول
الله ولكنهم يزعمون أنه رسو ل إلى العرب لا إلى بني إسرائيل ويتمسكون بظاهر قوله
تعلى: {هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ} الجمعة: 3
فمن يقر منهم بأن محمداً رسول الله لا يكون مسلماً حتى يتبرأ من دينه مع ذلك أو يقر
بأنه دخل في الإسلام حتى إذا قال اليهودي أو النصراني: أنال مسلم أو أسلمت لا
يحكم بإسلامه لأنهم لا يدعون ذلك فإن المسلم هو المستسلم للحق المنقاد له وهم
يزعمون أن الحق ما هم عليه فلا يكون مطلق هذا اللفظ في حقهم دليل الإسلام حتى يتبرأ
من دينه مع ذلك.
كذلك لو قال: برئت من اليهودية ولم يقل مع ذلك: دخلت في الإسلام
فإنه لا يحكم بإسلامه لأنه يحتمل أن يكون تبرأ من اليهودية ودخل في النصرانية فإن
قال مع ذلك ودخلت في الإسلام فحينئذ يزول هذا الاحتمال وقال بعض مشايخنا: إذا
قال: دخلت في الإسلام يحكم بإسلامه وإن لم يتبرأ مما كان عليه لأن في لفظه ما يدل
على دخول حادث منه في الإسلام وذلك غير ما كان عليه فتضمن هذا اللفظ التبري مما كان
عليه ولو قال المجوسي: أسلمت أو أنا مسلم يحكم بإسلامه لأنهم لا يدعون هذا الوصف
لأنفسهم ويعدونه شتيمة بينهم يشتم الواحد منهم به ولده فيكون ذلك دليل الإسلام في
حقه.
وذكر عن الحسن أن رجلاً سأله فقال: يا أبا سعيد قدمت سفينة من
الهند فاشتريت منها علجة مسبية فجئت بها إلى منزلي فماتت أفأنبذها أم أغسلها وأصلي
عليها فقال: سبحان الله لا بل اغسلها ثم كفنها ثم صلي عليها فإنها دخلت في
الإسلام وتأويله في الصغيرة فإنها إذا سببت وليس معها واحد من أبويها فإنه يحكم
بإسلامها تبعاً لدار الإٍسلام إذا دخلت فيها فأما الكبيرة التي قد عقلت الكفر فلا
يحكم بإسلامها فلا يصلى عليها إذا ماتت قبل أن تضف الإسلام لأن الصلاة على الميت من
حق المسلم على المسلم لأجل إيمانه ولكن يصنع بها ما سوى الصلاة من الغسل والتكفين
والدفن فإن ذلك سنة الموتى من بني آدم.
ألا ترى إلى ما روي أن علياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين مات أبو طالب فقال: إن عمك الضال قد توفي فقال: اذهب فاغسله وكفنه وواره.
وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال له: ماتت أمي وهي
نصرانية أأتبع جنازتها قال: اتبع جنازتها وادفنها ولا تصل عليها وبه نقول: إذا
لم يكن لها ولد كافر يقوم بدفنا فإنه ينبغي للولد المسلم أن يقوم بذلك ولا يتركها
جزراً للسباع فقد أمر بالإحسان إلى والديه وإن كانا مشركين وبالمصاحبة معهما
بالمعروف لقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} لقمان:
15 وليس من الإحسان والمعروف أن يتركهما بعد الموت جزراً للسباع فأما إذا كان عناك
من يقوم بذلك من أقاربهما المشركين فالأولى للمسلم أن يدع ذلك لهم ولكن يتبع
الجنازة إن شاء على ما روي أن الحارث بن أبي ربيعة ماتت أمه نصرانية فتبع جنازتها
في رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه إذا كان مع الجنازة قوم من أهل
دينها فينبغي للمسلم أن يمشي ناحية منهم ولا يخالطهم فيكون مكثراً سواد المشركين أو
يمشي أمام الجنازة ليكون معتزلاً عنهم وذكر عن إبراهيم رحمه الله في السبي إذا أقر
بالإسلام وأسلم ثم مات قبل أن يصلي قال: يصلي عليه وبه نقول فإنه قبل أن يصلي تم
إسلامه لأن الصلاة من شرائع الإسلام لا من نفس الإسلام وعن سلمة قال: سألت الشعبي
عن السبي متى يصلى عليه قال: إذا صلى فصلوا عليه وتأويل هذا فيما إذا لم يسمع منه
الإقرار بالإسلام ولكنه صلى مع المسلمين بالجماعة فإن ذلك يوجب الحكم بإسلامه عندنا
لأن المشركين لا يصلون بالجماعة على هيئة جماعة المسلمين وإظهار ما يختص به
المسلمون فعلاً يكون بمنزلة إظهار ما يختص به المسلمون قولاً فيصير به مسلماً حتى
إذا رجع عن الإسلام ضربت عنقه إن كان رجلاً وأما إذا صلى وحده لم يحكم بإسلامه إلا
في رواية رواها داود بن رشيد عن محمد أنه إذا صلى إلى قبلة المسلمين يحكم بإسلامه
لقوله صلى الله عليه وسلم: " من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فله ما لنا وعليه
ما علينا فأما إذا صام أو أدى الزكاة أوحج لم يحكم بإسلامه في ظاهر الرواية وفي
رواية داود بن رشيد عن محمد قال: إذا حج البيت على الوجه الذي يفعله المسلمون
يحكم بإسلامه لأنه ظهر منه فعل ما يختص به المسلمون فيجعل ذلك دليلاً على إسلامه
والله أعلم.